ما الحُبْ ؟
سؤال لرُبّما بمُجرّد إدّعاءنا أنّه يمكننا الإجابة عنه ، إجابة صحيحة ومتكاملة نكون قد خدعْنا أنفسنا أو الآخرين الذين سيُصدقون جوابنا.
فالحُب هو عاطفةٌ وفعلٌ ، هو شيئٌ مُعقّدٌ أكثر ممّا نتخيله، لأنّه فعلٌ غرائزي ، ينبعُ من دَوَاخِلنا ، ويربيهُ الزمن والمنحُ والعطاء من دون مقابل .
الحُبْ هو تلاقُحْ الأضّاد .
الحب في نظري هو فعلٌ وردّ فعلٌ داخلي في آنٍ واحد .
لا يمكن تفسير الحبُ تفسيراً دقيقاً ، فهو شئٌ يتعلّقُ بالنفس البشرية ، أوالطبيعة الحيوانية ، و المعلوم لدينا مُسبقاً ، أنّ النفس البشرية كم هو معقّد ويصعب تحليله تحليلاً دقيقاً حتى عُلماء النّفس لم يصلوا بعد إلى التفسير النهائي لنفسية الإنسان رغم أنّ منهج التحليل النفسي منذ أن أسّست إلى يومنا هذا لديه مدة ما يقارب المائه عام .
من الناحية التاريخية ، فالحب هو شيء موجودٌ منذ الأزل ، أي منذُ وُجود الإنسان الأول ، إلى الهيموسابيوس ، الإنسان العاقل الذي إنْحدر منه أسلافنا البشر الحاليين .
الحُب هو فعلٌ طبيعي ، لو نظرنا للأمر من زاوية أكثر إتّساعاً ، فالحب لا ينحصر على الجنس البشري فقط ، بل يشمل المملكة الحيوانية أيضاً ، وجزء كبير منها ، وخاصة طائفة الفقاريات( Vertebrates ) ، وقليلٌ من طائفة اللافقاريات ( Invertebrates ) ، فإذا كان الأمر ليس كذلك كيف نُفسِّر عدم زواج الذئب مرة ثانية في حالة وفاة وليفته (زوجته ) بل نجده ينتحر ويموت ولا يخونها لا في حياتها أو بعد وفاتها ، بالمقابل أنثاه تفعل نفس الشيء ؟
إنّ السبب يعود إلى الحب والإخلاص الذي يكِّنه إلى زوجته المتوفية وحتى زوجته تفعل نفس الأمر .
كذلك طائِر الهُدْهُدْ لا يتزوج بعد وفاة زوجته ، فهو يعتبرها خيانة في حق زوجتها ونفس الشيء ينطبق على زوجتها ، والأمثلة كثيرة ، لا حصر لها .
الأمر الآخر التضحيات التي يقدمها بعض الحيوانات و الطيور والتي تصل إلى حد مواجهة الموت ، كدفاع الأم عن صغارِها ، والتكاتف الذي يبديه قطيع الذئاب ، أو الأسُود أو الكلاب ، في حالة مواجهة أيّ عدوان أو تضارب المصالح مع أي قطيع خارج قطيعهم .
هذه الأمثلة كلها أسباب تجعلنا لا نحصر وُجود الحُب عند الجنس البشري فقط .
نعود للحب عند البشر .
[ ] هل للحب شكل محددّ أو نمط علاقة محددة ، وهل شوّهتها العولمة و الرأسمالية ؟
ليس للحب شكل محدّد من دون أدنى شَكْ ، لأنّه فعلٌ غرائزي وطبيعي ، والحُب لا يأتي ويكون مجرّد شعور وفعل لوحدِهِ ، بل يصاحبه قِيم أخرى ، كالصدق والإخلاص ، والوفاء، والإحترام والتقدير ، والوقار ، فلا معنى للحُب من دون توفّر هذه القيم ، فنحن لا يمكننا الكِذب على من نحِبْ ولا نجرؤُ على إحتقار وعدم إحترام من نحب ، لأنّنا لو فعلنا ذلك بإستمرار إمّا فقدنا حبنا من محبينا أو أنّنا في الأساس لم نكن نحبّهم .
لقد شوهّت العولمة والرأسمالية معنى وقيمة الحُب و حصرها بين الرجل والمرأة فقط وحوّلها إلى وسيلة لإستغلال الناس بعضهم بعضاً ، بدلاً أن كان الحُب سبب لوجود وتماسك ونجاة المجتمعات والأسر والرجل مع المرأة جميعهما مع بعضهما البعض .
ونتيجة الإنتماء والتماسك والتكاتف على مدى طويل ، نجد أنّ الرجل أو المرأة يحمل عاطفة الحُب لكل شخص ينتمي إلى نفس مجموعته الإثنية أو الإجتماعية ، والجغرافية، ولا يتوفر إلا من لديهما مشكلة بينهما ، غير ذلك لا ، نلاحظ هذا عندما يسافر الشخص إلى دولة أخرى ، ويلاقي شخص ينتمون معاً إلى دولة واحدة أو مجموعة إثنية وثقافية واحدة أو منطقة جغرافية واحدة، يحِسُّ بحب وعاطفة دافئة تِجاه هذا الشخص ، كما لو كان هذا الشخص فرد من أفراد أسرته .
ففي جزء كبير من مجتمعات الشرق الأوسط ومنها الأيزيدي على سبيل المثال نجد أنّه لم يُعرّف الحُب على أنّه علاقة بين الرجل والمرأة فقط ، بل عُرّف بأنَّه شعورٌ وفعلٌ سامي ونبيل تجاه من نختارهُ أو يفرضه لنا الظروف للعيش معاً ، أو التبجيل والإحترام والتقدير والتضحية تجغه الخالق أو المعبود الذي بفضله أوجد الحياة ووجِدُوا هم في هذه الكوكب ، ولم يكن الرجل يقول لأي فتاة وجدهُ أنا أحبّك ، بل أنا أريدكِ زوجة لي ، حتى التي إختارها لو لم يوافق عليه الأسرتين ، لن يتزوجا، ففي حالات أو أحيانٍ كثيرة يتم إختيار الزوجة للرجل من قبل والديه أو يتم الإتفاق عليه مسبقاً بين الأسرتين ، لأنّ الزواج من منظور المجتمعات الأسيوية وخاصة الأيزيدي إقومة علاقة إجتماعية جديدة بين أسرتين وإمتداد لها مع وضع ضوابط قيمية بينهما وعدم توافق هذه الأسرتين قيمياً وطبقياً لن يتم هذا الزواج .
فالحب له أنماط كثيرة .
[ ] نمط العلاقات التي تكون ما بين الإنسان وخالقه أو إلهه الذي يعبده ، وهنا العلاقة تكون إلزامية، لأنّه يجب عليه عبادة و حب و تعظيم وإحترام وتقديم قربان لإلهه لأنّه بعصيانه سيكون مصيره الهلاك والشقاء في هذه الحياة والعذاب في الحياة الآخرة كما وعدهم به الإله .
(حسب ما يتم الأدعاء به او كما يتخيلهم تلك الجماعة)
[ ] نمط العلاقات التي تكون ما بين الإنسان والطبيعة وبقية الكائنات التي أنّسَهُ الإنسان وعلاقاته مع بيئته التي تربي ونشأ فيها ، بإشجارها وبحارها وأنهارها وتلالها...الخ .
[ ] نمط العلاقات التي تكون ما بين الإنسان وأخيه الإنسان من جنسه البشري ، كالعلاقة بين الرجل والمرأة وهي واحدة من أبسط أنواع علاقات الحُب، وعلاقة الإنتماء الذي يجمع بين أفراد الجماعة الواحدة ، أو العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة أو العلاقة بين الوالدين والأبناء ، والعلاقة بين الأصدقاء ، والعلاقة بين الجيران ، وعلاقة الزمالة الدراسية وزمالة العمل ، جُلّ هذه العلاقات تجمعها المصالح المشترك ، وتسيرها الحُب ، فبإنعدام الحب ستحدث نزاع وستنتهي المصالح ، عدا علاقات الدم التي يكون الفرد مرغماً فيها ،لأنه لم يختارها .
إنّ الحُب يوجد في داخل كلّ إنسان وَجَدَ تنشأة إجتماعية سليمة ، حتى الطغاة والمجرمين بداخلهم يوجد بذرة حُبْ ، لأنهم رغم أفعالهم اللاإنسانية لديهم أشخاص في قلوبهم يكنّون لهم الحُب لذلك لا يمكن نكران وجود الحب في قلوبهم
فلاح روج
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذف